العمل التطوعي !
ما إن تطأ قدمك أي بلد أوروبي إلا ويأسرك الاهتمام الكبير بالعمل التطوعي الذي تجده يتوسط جميع المؤسسات والأسواق وبين الأزقة وحتى في ردهات المشافي والفنادق، فتجد شخصا يوزع مطبوعة لعمل خيري، وآخر يحمل صندوقاً لجمع التبرعات لمؤسسة ما تدعم مرضا أو متلازمة أو فئة اجتماعية، وفرقة موسيقية تعزف من أجل حالات إنسانية كتوفير كتب وأدوية أو ملابس.
تفتقر منطقتنا العربية إلى ثقافة العمل التطوعي كسلوك اجتماعي يكفل الترابط ويعزز المسؤولية الاجتماعية ويرسخ ثقافة التكافل الاجتماعي كثقافة تنطلق من الشعور بالآخر وتلمس حاجاته والدعم التام لمن يحتاجه، وهذه جميعها قيم اجتماعية لا تعوضها الصدقات والماديات فقط بل تترجمها الإنسانية واستشعار الآخر، وهنا في المملكة تقع مسؤولية كبرى على مؤسسات الدولة في تذليل الأعمال التطوعية بما يضمن سلاسة القيام بها دون عراقيل بيوقراطية واجتراح أنظمة تحد من هذا السلوك الإنساني القيّم. وتحضرني هنا لمحة من الذاكرة حين أسست ابنتي في 2014 مبادرة إنسانية قائمة على جهود فردية مع مجموعة فتيات لدعم أطفال السرطان اسمتها «كيف أسعدك» تقوم من خلالها بتنظيم احتفالات الأعياد في المشافي لإسعاد الأطفال الذين طال بقاؤهم على السرير الأبيض وعزلهم الوجع قسراً عن مباهج الحياة، لن أنسى كم العراقيل التي واجهتها من قبل إدارات بعض المستشفيات لتمرير هذا المشروع وتوفير مكان له، فقط مكان تصوروا! فكان الموضوع يمر من إدارة إلى أخرى ومن مكتب إلى مكتب ترفض أحياناً وتفسح أحياناً أخرى، ولكن الإيجابي في الموضوع والمفرح بحق هو تدفق الشباب والفتيات للمشاركة بلا مقابل حتى ممن يعملون في مجال الحفلات الذين قدموا خدماتهم خالصة لإسعاد هذه الفئة وبمجرد أن سمعوا عن المبادرة!
أخيراً.. كل الحضارات انطلقت بمعززات وقيم إنسانية عالية، ولن تقوم حضارة ما دون تكافل اجتماعي وانسجام تام بين مكوناته البشرية وتمازجها إنسانياً واستشعار كل فرد لحاجات الآخر ودعمه ليصل المجتمع إلى درجة عالية من الرضا والاكتفاء المعنوي والمادي.
نقلا عن عكاظ